الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مستهدف إستحداث الوظائف للأردنيين»

من مرصد الاقتصاد الأردني
 
(١٣ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''استحداث الوظائف للأردنيين''' هو أحد المؤشرات الرئيسية في '''رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن'''، حيث تهدف الرؤية إلى تحقيق '''زيادة مستدامة في فرص العمل المتاحة للأردنيين بحلول عام 2033'''، من خلال تعزيز بيئة العمل، وتحفيز النمو الاقتصادي في القطاعات المختلفة، ورفع مستوى مشاركة القوى العاملة الوطنية.[https://www.vision.gov.jo https://www.vision.gov.jo]
__NOTOC__
== التحديث الاقتصادي في الأردن: هل يتحقق هدف المليون وظيفة بحلول 2033؟ ==


يعد هذا المؤشر أداة رئيسية لقياس مدى نجاح الاستراتيجيات الحكومية في تقليل معدلات البطالة وتعزيز التوظيف في مختلف القطاعات. كما يعكس مستوى استجابة السوق المحلي لبرامج الإصلاح الاقتصادي وقدرته على استيعاب العمالة الجديدة. يعتمد هذا المقياس على تحليل الاتجاهات في استحداث الوظائف، وجودة الفرص الوظيفية، ومدى تطابقها مع مؤهلات وخبرات القوى العاملة الأردنية.
=== نظرة عامة ===
يسعى الأردن إلى تحقيق '''أكثر من مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2033''' ضمن إطار '''رؤية التحديث الاقتصادي (EMV)'''، والتي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز بيئة العمل في مختلف القطاعات. ورغم أن البيانات تشير إلى أن الاقتصاد الأردني نجح في استحداث وظائف جديدة بوتيرة قريبة من المستهدف السنوي، إلا أن المشكلة لا تكمن فقط في العدد، وإنما في '''أماكن توزيع هذه الوظائف'''. فقد تم خلق معظم الوظائف في '''القطاع العام'''، في حين أن رؤية التحديث الاقتصادي تستهدف بالأساس '''تحفيز فرص العمل في القطاع الخاص'''، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الاقتصاد على تحقيق تحول هيكلي مستدام في سوق العمل.


== لوحة أداء مستهدف استحداث الوظائف للأردنيين في وثيقة رؤية التحديث الاقتصادي ==
=== لوحة أداء استحداث الوظائف ===
تعد '''لوحة مؤشر أداء استحداث الوظائف''' أداة تحليلية تفاعلية تتابع مدى تحقيق مستهدفات التوظيف في رؤية التحديث الاقتصادي، حيث توفر بيانات تفصيلية حول نمو الوظائف في مختلف القطاعات، ومدى استدامتها، ومدى توافقها مع مؤهلات القوى العاملة الأردنية. وتعتمد هذه البيانات على مصادر رسمية مثل '''دائرة الإحصاءات العامة''' و'''وزارة العمل'''، لضمان دقة المعلومات ودعم القرارات المبنية على الأدلة. 


=== دور لوحة أداء مؤشر استحداث الوظائف ===
تساعد هذه الأداة في تقديم تحليلات دورية حول توزيع الوظائف بين القطاعات المختلفة، مما يسمح لصناع القرار بفهم الفجوات في سوق العمل وتطوير استراتيجيات توظيف أكثر فاعلية. ومع ذلك، يكشف تحليل حديث أن النمو في الوظائف '''لم يكن متوازناً بين القطاعين العام والخاص'''، وهو ما يطرح تحديات كبيرة أمام تحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي.
[[ملف:Job_creation_dashboard_screenshot.png|تصغير]]
تعد [https://analytics.zoho.com/open-view/1853329000000099321 لوحة مؤشر أداء استحداث الوظائف] أداة تحليلية تفاعلية تهدف إلى تتبع مدى تحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي (EMV) فيما يخص توفير فرص العمل للأردنيين. تقدم هذه اللوحة تحليلات دورية حول نمو الوظائف في مختلف القطاعات، مما يساعد في تحديد العوامل المؤثرة على معدلات التوظيف ومعالجة الفجوات في سوق العمل.


توفر اللوحة بيانات دقيقة حول التوزيع القطاعي للوظائف المستحدثة، ومستويات الأجور، ومدى استدامة هذه الوظائف، مما يساعد صناع القرار على تطوير سياسات توظيف فعالة تعزز استقرار سوق العمل. كما تعتمد البيانات الواردة في هذه اللوحة على مصادر رسمية موثوقة مثل دائرة الإحصاءات العامة، وزارة العمل، والجهات الاقتصادية ذات العلاقة، لضمان دقة المعلومات ودعم القرارات المبنية على الأدلة.
=== الأداء الفعلي مقابل المستهدف ===
[[ملف:jobs_article_screenshot1.png|تصغير]]
تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة إلى أن الاقتصاد الأردني تمكن من خلق '''79,016 وظيفة للأردنيين في عام 2022'''، و'''84,497 وظيفة في عام 2023'''، وهو معدل يقترب من المستهدف السنوي البالغ '''86,000 وظيفة جديدة'''. ومع ذلك، فإن التوزيع القطاعي لهذه الوظائف يكشف عن '''خلل كبير'''، حيث لم يتم استحداثها في القطاعات التي تحتاج إلى نمو حقيقي ومستدام في التوظيف.


== أهم النقاط والتحليل والاستنتاجات من لوحة الأداء ==
البيانات تشير إلى أن القطاع الحكومي استحدث وظائف '''بمعدل يفوق المستهدف السنوي بـ 665%'''. فقد تجاوزت الوظائف الجديدة في القطاع الحكومي وحده خلال عامين فقط العدد المقدر لهذا القطاع طوال فترة الرؤية حتى 2033. هذا يعني أن القطاع العام لا يزال يستقطب حصة كبيرة من الوظائف الجديدة، في حين أن رؤية التحديث الاقتصادي تهدف إلى تعزيز '''خلق فرص العمل في القطاع الخاص''' لضمان استدامة التوظيف على المدى الطويل.


=== الفجوة بين الأداء الفعلي والمستهدف ===
تشير البيانات إلى أن بعض القطاعات نجحت في تحقيق المستهدفات أو تجاوزها، بينما لا تزال قطاعات أخرى تعاني من تأخر واضح في استحداث الوظائف. من بين القطاعات التي أظهرت أداءً جيداً في استحداث الوظائف التجارة، الأسواق والخدمات المالية، السياحة، والطاقة والمياه. هذه القطاعات شهدت نمواً مستداماً في التوظيف، ما يشير إلى استقرار نسبي في سوق العمل داخلها.
[[ملف:job_creation_1.png|تصغير]]
حسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، خلق الاقتصاد الأردني ما يبلغ نحو 79,016 وظيفة للأردنيين في عام 2022، وما يقارب 84,497 وظيفة في عام 2023.  


تهدف رؤية التحديث الاقتصادي إلى استحداث نحو 1,032,296 فرصة عمل للأردنيين بحلول عام 2033، بمعدل سنوي يقدر بنحو 86,000 وظيفة جديدة.  
في المقابل، هناك قطاعات لم تتمكن بعد من تحقيق المستهدفات المطلوبة، مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الرعاية الصحية، الصناعات التحويلية، والنقل والخدمات اللوجستية. أما القطاعات التي تعاني تأخراً ملحوظاً في تحقيق أهداف التوظيف، فتشمل الزراعة والتعدين، حيث لا تزال نسبة الوظائف المستحدثة فيها أقل بكثير من المتوقع.


تشير الأرقام الصادرة إلى أن الاقتصاد الأردني تمكن من تحقيق معدل قريب من المطلوب سنوياً لتحقيق الهدف التراكمي للرؤية، مما يعني أن المسار الحالي يبقى متوافقًا مع المستهدف الكلي حتى عام 2033، طالما لم يطرأ تغيير جوهري على وتيرة النمو الاقتصادي أو العوامل المؤثرة على سوق العمل.
=== التغير السنوي في تعويضات العاملين حسب القطاعات لعام 2023 ===


إلا أن التحدي الأكبر يكمن في ضمان استدامة هذا الاتجاه، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية، ومستوى الطلب على الوظائف في القطاعات المختلفة، والتأثيرات المحتملة للعوامل الخارجية مثل التباطؤ الاقتصادي أو التحولات الديموغرافية.
[[ملف:jobs_article_screenshot5.png|تصغير]]
تكشف بيانات عام 2023 عن تباينات ملحوظة في نسبة الزيادة السنوية لإجمالي تعويضات العاملين المؤمن عليهم في **المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي** عبر مختلف القطاعات الاقتصادية. سجل **قطاع الزراعة والصيد والغابات** ارتفاعًا بنسبة **10.8%** في إجمالي التعويضات، متماشياً مع الزيادة في إجمالي عدد العاملين في هذا القطاع. كما شهدت قطاعات **الخدمات المالية (7.7%)، التجارة (5.5%)، تكنولوجيا المعلومات والنقل والتخزين (8.1%)، والصناعات التحويلية والسياحة (5%)** ارتفاعًا في التعويضات، مما يعكس توسعًا متوازناً بين النمو في التوظيف وزيادة الأجور. وتظهر هذه الاتجاهات أن هذه القطاعات تمكنت من الحفاظ على **توازن بين نمو التوظيف وارتفاع الأجور**، حيث برزت **الخدمات المالية والنقل** كقطاعات ذات نمو أقوى مقارنة بقطاعات مثل **التصنيع والسياحة**، التي سجلت معدلات نمو أكثر اعتدالًا.


=== مقارنة ما بين الوظائف المستحدثة للأردنيين وغير الأردنيين ===
في المقابل، شهد **قطاع التعدين واستغلال المحاجر** انخفاضًا بنسبة **2% في إجمالي تعويضات العاملين**، رغم تسجيله **نمواً في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات**. لم يقتصر هذا الانخفاض على إجمالي التعويضات، بل انعكس أيضًا على **متوسط التعويضات لكل عامل**، مما يشير إلى أن النمو الاقتصادي في القطاع لم يترجم إلى تحسن في أجور العاملين. قد يكون هذا التراجع ناتجًا عن **اعتماد متزايد على إجراءات خفض التكاليف، أو زيادة الإنتاجية دون توسيع القوة العاملة، أو التحول نحو عمليات أكثر كثافة في رأس المال**. من ناحية أخرى، سجل **القطاع العام (5.8%)** نمواً ثابتًا في الأجور، متجاوزًا الزيادة في قطاعات مثل **الصحة (3.8%)** والإنشاءات (0.7%)، والتي شهدت تعديلات أكثر تواضعًا في التعويضات. تعكس هذه الاتجاهات **اختلافات هيكلية في الطلب على العمالة عبر القطاعات**، مما يبرز الحاجة إلى سياسات تضمن نمو التعويضات بما يتناسب مع التوسع القطاعي، لا سيما في الصناعات التي تحقق مكاسب اقتصادية دون أن ينعكس ذلك على تحسين مستويات الأجور للعاملين.
[[ملف:job_creation_2.png|تصغير]]
في حين أن الاقتصاد الأردني نجح في إنتاج عدد وظائف سنوية يقترب من المعدل المطلوب لتحقيق مستهدف الرؤية، إلا أن جزءاً كبيراً من هذه الوظائف ذهب لغير الأردنيين، حيث بلغت الوظائف التي حصل عليها غير الأردنيين 10,488 في عام 2022، و11,846 في عام 2023.  


هذا يشير إلى أن بعض القطاعات، وخاصة القطاعات التشغيلية، لا تزال تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة، وهو ما قد يستدعي إعادة هيكلة بعض السياسات العمالية لتعزيز تشغيل الأردنيين، لا سيما في القطاعات التي تمتلك القدرة على استيعاب المزيد من القوى العاملة المحلية.
=== العلاقة بين نمو الصادرات واستحداث الوظائف ===
[[ملف:jobs_article_screenshot2.png|تصغير]]
عند تحليل العلاقة بين نمو '''الصادرات''' واستحداث '''الوظائف'''، يظهر تفاوت واضح بين القطاعات المختلفة. بعض القطاعات التي شهدت نمواً قوياً في الصادرات لم تترجم هذا النمو إلى زيادة موازية في التوظيف، ومن أبرز هذه القطاعات '''التعدين، والزراعة، والأمن الغذائي، والسياحة'''. يشير ذلك إلى أن هذه القطاعات تعتمد بشكل أكبر على تحسين الإنتاجية والكفاءة التشغيلية بدلاً من زيادة التوظيف، مما قد يحد من أثر النمو الاقتصادي على خلق فرص العمل.


=== أعداد المشتغلين السنوية ===
في المقابل، سجل '''قطاع التجارة''' نمواً في استحداث الوظائف بنسبة تفوق نسبة نمو الصادرات. قد يكون هذا الارتفاع في التوظيف ناتجاً عن توسع الأنشطة التجارية الداخلية، أو تغيرات في طبيعة الوظائف داخل القطاع، مثل زيادة الاعتماد على الخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة. أما بالنسبة للقطاعات الأخرى مثل '''الصناعة والخدمات المالية'''، فتبدو العلاقة بين النمو التصديري واستحداث الوظائف أكثر توازناً، مما يشير إلى ارتباط أقوى بين الأداء التصديري وقدرة هذه القطاعات على خلق فرص عمل جديدة.
[[ملف:job_creation_3.png|تصغير]]
تشير الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة إلى أن إجمالي عدد المشتغلين الأردنيين ارتفع من 1.42 مليون في عام 2022 إلى 1.485 مليون في عام 2023، أي بزيادة تقدر بحوالي 67,000 مشتغل.  


على الرغم من هذا النمو الإيجابي، إلا أنه يبقى أقل قليلاً من المتوسط المطلوب لضمان تحقيق مستهدفات الرؤية، مما يفرض ضرورة تحفيز استحداث وظائف جديدة بوتيرة أسرع، خصوصاً في القطاعات ذات المعدلات المنخفضة للنمو الوظيفي.
=== التوظيف للأردنيين مقابل العمالة الوافدة ===
[[ملف:jobs_article_screenshot3.png|تصغير]]
رغم تحقيق معدل استحداث وظائف مقارب للمستهدف، إلا أن جزءًا كبيرًا من هذه الفرص ذهب '''لغير الأردنيين'''، حيث حصل الوافدون على '''10,488 وظيفة في عام 2022''' و'''11,846 وظيفة في عام 2023'''. يشير هذا التفاوت إلى استمرار اعتماد بعض القطاعات، وخاصة التشغيلية، على العمالة الوافدة، وهو ما قد يستدعي إعادة هيكلة السياسات العمالية لتعزيز تشغيل الأردنيين، خصوصاً في القطاعات التي تمتلك القدرة على استيعاب المزيد من القوى العاملة المحلية.


=== معدلات التراكمية القطاعية لاستحداث الوظائف ===
إن تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة يتطلب سياسات واضحة لدعم تشغيل الأردنيين، مثل تقديم حوافز لأصحاب العمل لتوظيف المواطنين، وتطوير برامج تدريبية تستهدف سد الفجوات المهارية في بعض القطاعات. كما أن تعزيز بيئة العمل وتحسين ظروف الوظائف في بعض المجالات قد يسهمان في تشجيع الأردنيين على الالتحاق بوظائف كان يُنظر إليها سابقاً على أنها أقل جاذبية. 
[[ملف:job_creation_4.png|تصغير]]
=== تحقيق مستهدفات التحديث الاقتصادي ===
بالنظر إلى عدد الوظائف التراكمي المتوقع استحداثها في كل قطاع، نجد أن بعض القطاعات تجاوزت أو حققت المعدل المطلوب، وأبرزها:
بالمجمل، يبدو أن الاقتصاد الأردني يسير في الاتجاه الصحيح من حيث عدد المطلق لاستحداث الوظائف، لكنه يواجه تحديات تتطلب حلولاً عاجلة لضمان استدامة هذا التقدم. المشكلة لا تكمن فقط في العدد، بل في '''نوعية الوظائف المستحدثة وموقعها القطاعي'''. استحواذ القطاع العام على الحصة الأكبر من الوظائف الجديدة يتناقض مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، ويؤكد الحاجة إلى سياسات أكثر فاعلية '''لتحفيز النمو الوظيفي في القطاع الخاص'''. 


* التجارة
يبقى تحقيق '''أكثر من مليون وظيفة جديدة''' بحلول 2033 محك اختبار حقيقي لمدى نجاح رؤية التحديث الاقتصادي. في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية، سيكون من الضروري اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لضمان تحقيق هذا الهدف، وتوفير فرص عمل مستدامة تدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الأردن.
* الأسواق والخدمات المالية
* السياحة
* الطاقة والمياه
 
في المقابل، بعض القطاعات لا تزال دون المستوى المطلوب، وهي:
 
* الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
* الرعاية الصحية
* الصناعات التحويلية
* النقل والخدمات اللوجستية
* القطاعات الأخرى
 
أما القطاعات التي تعاني تأخراً ملحوظاً في تحقيق أهدافها، فتشمل:
 
* الزراعة
* التعدين

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٩:٥٨، ١٧ مارس ٢٠٢٥

التحديث الاقتصادي في الأردن: هل يتحقق هدف المليون وظيفة بحلول 2033؟

نظرة عامة

يسعى الأردن إلى تحقيق أكثر من مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2033 ضمن إطار رؤية التحديث الاقتصادي (EMV)، والتي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز بيئة العمل في مختلف القطاعات. ورغم أن البيانات تشير إلى أن الاقتصاد الأردني نجح في استحداث وظائف جديدة بوتيرة قريبة من المستهدف السنوي، إلا أن المشكلة لا تكمن فقط في العدد، وإنما في أماكن توزيع هذه الوظائف. فقد تم خلق معظم الوظائف في القطاع العام، في حين أن رؤية التحديث الاقتصادي تستهدف بالأساس تحفيز فرص العمل في القطاع الخاص، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الاقتصاد على تحقيق تحول هيكلي مستدام في سوق العمل.

لوحة أداء استحداث الوظائف

تعد لوحة مؤشر أداء استحداث الوظائف أداة تحليلية تفاعلية تتابع مدى تحقيق مستهدفات التوظيف في رؤية التحديث الاقتصادي، حيث توفر بيانات تفصيلية حول نمو الوظائف في مختلف القطاعات، ومدى استدامتها، ومدى توافقها مع مؤهلات القوى العاملة الأردنية. وتعتمد هذه البيانات على مصادر رسمية مثل دائرة الإحصاءات العامة ووزارة العمل، لضمان دقة المعلومات ودعم القرارات المبنية على الأدلة.

تساعد هذه الأداة في تقديم تحليلات دورية حول توزيع الوظائف بين القطاعات المختلفة، مما يسمح لصناع القرار بفهم الفجوات في سوق العمل وتطوير استراتيجيات توظيف أكثر فاعلية. ومع ذلك، يكشف تحليل حديث أن النمو في الوظائف لم يكن متوازناً بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يطرح تحديات كبيرة أمام تحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي.

الأداء الفعلي مقابل المستهدف

تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة إلى أن الاقتصاد الأردني تمكن من خلق 79,016 وظيفة للأردنيين في عام 2022، و84,497 وظيفة في عام 2023، وهو معدل يقترب من المستهدف السنوي البالغ 86,000 وظيفة جديدة. ومع ذلك، فإن التوزيع القطاعي لهذه الوظائف يكشف عن خلل كبير، حيث لم يتم استحداثها في القطاعات التي تحتاج إلى نمو حقيقي ومستدام في التوظيف.

البيانات تشير إلى أن القطاع الحكومي استحدث وظائف بمعدل يفوق المستهدف السنوي بـ 665%. فقد تجاوزت الوظائف الجديدة في القطاع الحكومي وحده خلال عامين فقط العدد المقدر لهذا القطاع طوال فترة الرؤية حتى 2033. هذا يعني أن القطاع العام لا يزال يستقطب حصة كبيرة من الوظائف الجديدة، في حين أن رؤية التحديث الاقتصادي تهدف إلى تعزيز خلق فرص العمل في القطاع الخاص لضمان استدامة التوظيف على المدى الطويل.

تشير البيانات إلى أن بعض القطاعات نجحت في تحقيق المستهدفات أو تجاوزها، بينما لا تزال قطاعات أخرى تعاني من تأخر واضح في استحداث الوظائف. من بين القطاعات التي أظهرت أداءً جيداً في استحداث الوظائف التجارة، الأسواق والخدمات المالية، السياحة، والطاقة والمياه. هذه القطاعات شهدت نمواً مستداماً في التوظيف، ما يشير إلى استقرار نسبي في سوق العمل داخلها.

في المقابل، هناك قطاعات لم تتمكن بعد من تحقيق المستهدفات المطلوبة، مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الرعاية الصحية، الصناعات التحويلية، والنقل والخدمات اللوجستية. أما القطاعات التي تعاني تأخراً ملحوظاً في تحقيق أهداف التوظيف، فتشمل الزراعة والتعدين، حيث لا تزال نسبة الوظائف المستحدثة فيها أقل بكثير من المتوقع.

التغير السنوي في تعويضات العاملين حسب القطاعات لعام 2023

تكشف بيانات عام 2023 عن تباينات ملحوظة في نسبة الزيادة السنوية لإجمالي تعويضات العاملين المؤمن عليهم في **المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي** عبر مختلف القطاعات الاقتصادية. سجل **قطاع الزراعة والصيد والغابات** ارتفاعًا بنسبة **10.8%** في إجمالي التعويضات، متماشياً مع الزيادة في إجمالي عدد العاملين في هذا القطاع. كما شهدت قطاعات **الخدمات المالية (7.7%)، التجارة (5.5%)، تكنولوجيا المعلومات والنقل والتخزين (8.1%)، والصناعات التحويلية والسياحة (5%)** ارتفاعًا في التعويضات، مما يعكس توسعًا متوازناً بين النمو في التوظيف وزيادة الأجور. وتظهر هذه الاتجاهات أن هذه القطاعات تمكنت من الحفاظ على **توازن بين نمو التوظيف وارتفاع الأجور**، حيث برزت **الخدمات المالية والنقل** كقطاعات ذات نمو أقوى مقارنة بقطاعات مثل **التصنيع والسياحة**، التي سجلت معدلات نمو أكثر اعتدالًا.

في المقابل، شهد **قطاع التعدين واستغلال المحاجر** انخفاضًا بنسبة **2% في إجمالي تعويضات العاملين**، رغم تسجيله **نمواً في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات**. لم يقتصر هذا الانخفاض على إجمالي التعويضات، بل انعكس أيضًا على **متوسط التعويضات لكل عامل**، مما يشير إلى أن النمو الاقتصادي في القطاع لم يترجم إلى تحسن في أجور العاملين. قد يكون هذا التراجع ناتجًا عن **اعتماد متزايد على إجراءات خفض التكاليف، أو زيادة الإنتاجية دون توسيع القوة العاملة، أو التحول نحو عمليات أكثر كثافة في رأس المال**. من ناحية أخرى، سجل **القطاع العام (5.8%)** نمواً ثابتًا في الأجور، متجاوزًا الزيادة في قطاعات مثل **الصحة (3.8%)** والإنشاءات (0.7%)، والتي شهدت تعديلات أكثر تواضعًا في التعويضات. تعكس هذه الاتجاهات **اختلافات هيكلية في الطلب على العمالة عبر القطاعات**، مما يبرز الحاجة إلى سياسات تضمن نمو التعويضات بما يتناسب مع التوسع القطاعي، لا سيما في الصناعات التي تحقق مكاسب اقتصادية دون أن ينعكس ذلك على تحسين مستويات الأجور للعاملين.

العلاقة بين نمو الصادرات واستحداث الوظائف

عند تحليل العلاقة بين نمو الصادرات واستحداث الوظائف، يظهر تفاوت واضح بين القطاعات المختلفة. بعض القطاعات التي شهدت نمواً قوياً في الصادرات لم تترجم هذا النمو إلى زيادة موازية في التوظيف، ومن أبرز هذه القطاعات التعدين، والزراعة، والأمن الغذائي، والسياحة. يشير ذلك إلى أن هذه القطاعات تعتمد بشكل أكبر على تحسين الإنتاجية والكفاءة التشغيلية بدلاً من زيادة التوظيف، مما قد يحد من أثر النمو الاقتصادي على خلق فرص العمل.

في المقابل، سجل قطاع التجارة نمواً في استحداث الوظائف بنسبة تفوق نسبة نمو الصادرات. قد يكون هذا الارتفاع في التوظيف ناتجاً عن توسع الأنشطة التجارية الداخلية، أو تغيرات في طبيعة الوظائف داخل القطاع، مثل زيادة الاعتماد على الخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة. أما بالنسبة للقطاعات الأخرى مثل الصناعة والخدمات المالية، فتبدو العلاقة بين النمو التصديري واستحداث الوظائف أكثر توازناً، مما يشير إلى ارتباط أقوى بين الأداء التصديري وقدرة هذه القطاعات على خلق فرص عمل جديدة.

التوظيف للأردنيين مقابل العمالة الوافدة

رغم تحقيق معدل استحداث وظائف مقارب للمستهدف، إلا أن جزءًا كبيرًا من هذه الفرص ذهب لغير الأردنيين، حيث حصل الوافدون على 10,488 وظيفة في عام 2022 و11,846 وظيفة في عام 2023. يشير هذا التفاوت إلى استمرار اعتماد بعض القطاعات، وخاصة التشغيلية، على العمالة الوافدة، وهو ما قد يستدعي إعادة هيكلة السياسات العمالية لتعزيز تشغيل الأردنيين، خصوصاً في القطاعات التي تمتلك القدرة على استيعاب المزيد من القوى العاملة المحلية.

إن تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة يتطلب سياسات واضحة لدعم تشغيل الأردنيين، مثل تقديم حوافز لأصحاب العمل لتوظيف المواطنين، وتطوير برامج تدريبية تستهدف سد الفجوات المهارية في بعض القطاعات. كما أن تعزيز بيئة العمل وتحسين ظروف الوظائف في بعض المجالات قد يسهمان في تشجيع الأردنيين على الالتحاق بوظائف كان يُنظر إليها سابقاً على أنها أقل جاذبية.

تحقيق مستهدفات التحديث الاقتصادي

بالمجمل، يبدو أن الاقتصاد الأردني يسير في الاتجاه الصحيح من حيث عدد المطلق لاستحداث الوظائف، لكنه يواجه تحديات تتطلب حلولاً عاجلة لضمان استدامة هذا التقدم. المشكلة لا تكمن فقط في العدد، بل في نوعية الوظائف المستحدثة وموقعها القطاعي. استحواذ القطاع العام على الحصة الأكبر من الوظائف الجديدة يتناقض مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، ويؤكد الحاجة إلى سياسات أكثر فاعلية لتحفيز النمو الوظيفي في القطاع الخاص.

يبقى تحقيق أكثر من مليون وظيفة جديدة بحلول 2033 محك اختبار حقيقي لمدى نجاح رؤية التحديث الاقتصادي. في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية، سيكون من الضروري اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لضمان تحقيق هذا الهدف، وتوفير فرص عمل مستدامة تدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الأردن.